ذروة الإيمان
يقول: (وذروته أن يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والتواضع أحب إليه من الشرف)، ولا يعني ذلك الوجوب، إنما أن يستويا عنده، بل ربما قال: إن ابتلاني الله بالفقر فهو خير؛ لأن الفقر يردع النفس ويزجرها، إذ أكثر ما يطغي العبد ويدعوه إلى فعل المحرمات أو ترك الواجبات هو الترف والشبع، وذكر الله تبارك وتعالى ذلك في غير ما آية حال المترفين الذين ذمهم الله، كما قال تعالى: (( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ))[الإسراء:16] وفي الآية الأخرى قال تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ))[الأنعام:123]، فأكابر المجرمين والمترفون وأشباههم هم الذين يدعوهم هذا الترف إلى الطغيان: (( كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ))[العلق:6-7]، فإذا كان غنياً ذا مال وذا جاه؛ فإن ذلك أدعى إلى أن يترك ما أمر الله به أو أن يرتكب ما حرم الله، لكن الفقر قد يزجره عن ذلك، والفقر يؤدي إلى خصلة عظيمة هي أساس خصال العبودية كلها، وهي الذل والافتقار إلى الله تبارك وتعالى؛ ولهذا لو كان الافتقار إلى الله من غني ذي مال وجاه عريض، فكان مفتقراً إلى الله متذللاً متضرعاً مستكيناً لكان له من الأجر والدرجة والفضل الشيء الكثير، ولا يضره ماله ولا يضره منصبه مع هذا الافتقار إلى الله تبارك وتعالى.